الاشتراكية العربية
حتمية الحل الاشتراكي :
واجهت الثورة يوم قامت وضعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، شاذاً :
واجهت اقتصاداً متخلفاً وتابعاً للاقتصاديات الأجنبية ، واجهت نظاماً إقطاعياً ورأسمالياً
استند إلى الظلم والاستغلال ، واتسعت فيه الهوة بين طبقة الإقطاع والرأسمالية وبين
طبقة الفلاحين والعمال ، وزاد التناقض الطبقي مع الزمن عمقاً ورهبة نتيجة للتزايد
المستمر في السكان ، وما أدى اليه من تفتت الملكيات الزراعية الصغيرة ، ونتيجة
لنمو الاحتكارات الصناعية والتجارية والمالية المرتبطة بالاستعمار ، وهو ما مكن للرأسمالية
من أن تحقق أرباحها الضخمة على حساب العمال والمستهلكين .
وكان من نتيجة هذا الوضع أن تحكمت قلة مستغلة في الشعب كله ، تحكمت قلة من
كبار الإقطاعيين في ملايين الفلاحين ، تحكمت في عملهم وفي مقدراتهم وفي حياتهم ،
واعتصرتهم لحسابها ، ووقعت المأساة نفسها في القطاع الصناعي على طبقة العمال حيث
استبدت الرأسمالية المستغلة بالعمال ، فاستأثرت بكل شيء تاركة العمال الكادحين دون
حد الكفاف .
وأدى تحالف الإقطاع الظالم والرأسمالية المستغلة ، بمساندة الاستعمار
المستبد ، إلى أن كان الحكم أداة تقهر الشعب ، وتقطع الطريق على التطور الاجتماعي
.
وفي الوقت نفسه كان الاقتصاد القومي تابعاً للاقتصاديات الأجنبية ، فقد كان
الرسماليون الأجانب يتحكمون فيه ، وكانت البلاد مزرعة للقطن ، مسخرة لسد احتياجات
الاستعمار ، كما كانت سوقاً رائجة تستوعب بضائعه ، وادخل الاستعمار في روعنا أن
بلادنا لا يمكن إلا أن تكون زراعية ، وكان أن تضافرت هذه الظروف القاسية ، فحالت
دون تقدم الشعب ، فكان من الضروري أن تقوم الثورة لتحرير الوطن ، ولتحرير المواطن
، وتأكد لها أن الحرية الكاملة لا يمكن أن تتم إلا بضمان التحرر السياسي والاقتصادي
والاجتماعي ، كما تأكد لها أن التحرر الاقتصادي والاجتماعي يعد شرطاً أساسياً
لضمان التحرر السياسي ، وكان من الضروري حتى نضمن الحرية الكاملة للوطن والمواطن ،
أن نعمل على رفع الإنتاج القومي وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية .. أن نضمن
لمجتمعنا الكفاية والعدل .
وقد تأكد للثورة أن النظام الرأسمالي ، الذي كان قائماً ، كان عاجزاً عن أن
يحقق هدفنا في الكفاية والعدل ، فقد كان معنى الاستمرار في الطريق الرأسمالي أن نترك
رأس المال الخاص وحده في ميدان التنمية ، وقد ثبتت عدم قدرته نظراً لضآلة
الاستثمار الخاص ، ونظراً لعدم درايته باحتياجات التنمية ، كما كان معنى الاستمرار
في طريق الرأسمالية أن تتم التنمية في المجال الضيق الذي يسمح به النظام ، لحساب الرأسماليين
وعلى حساب الشعب ، فالتنمية الاقتصادية لا يمكن أن تتم إلا بحماية الصناعات
الناشئة ، وهو ما يتطلب فرض الرسوم الجمركية العالية وارتفاع الائتمان نتيجة ذلك ،
وهو ما يتطلب أيضاً إعفاء هذه الصناعات من الضرائب ، بل ومنحها الإعانات في كثيرة
من الأحيان ، إن معنى هذه الإجراءات في وضوح ، أن يدفع المستهلك ليكسب المنتج .. أن
يدفع الشعب من قوته لتزداد أرباح الرأسماليين .
إن الاستمرار في الطريق الرأسمالي لم يكن يسمح لنا إذن بتحقيق التنمية الاقتصادية
في وقت مناسب ، كما أنه يؤدي إلى زيادة التفاوت بين الدخول والثروات ، وهو ما كان
يعني بالضرورة أن نقبل استمرار التخلف مدة طويلة ، وأن نقبل توتر الموقف الطبقي
وما قد يؤدي إليه من انفجار دموي مروع ، ثم أن النظام الرأسمالي ، حتى في نظر أشد
الاقتصاديين تحمساً له ، ليس قادراً على تفادي الأزمات والبطالة .
وإذا كانت الرأسمالية قد تمكنت من تنمية بعض البلاد الغربية ، فإن ذلك يرجع
إلى الأوضاع التاريخية التي أحاطت بنشأة تلك البلاد ، وهي بلاد شهدت سبق ظهور
الثورة الصناعية بها ، وكان لبعضها أسواق داخلية واسعة ومستعمرات غنية استنزفت تلك
البلاد ثرواتها ، واستغلتها أبشع استغلال لتنمية نفسها .
إن التاريخ يروي ، بل ومازال يردد ، في صفحات تطفح بالألم ، كيف أن تخلف أفريقيا
وآسيا كان شرطاً ، ضرورياً لنمو الدول الرأسمالية ، فإذا كانت الرأسمالية قد بلغت
ما بلغت من النمو فإن ذلك لم يكن إلا بما استنزفت من دماء الشعوب .
إن يد الرأسمالية الاستعمارية مازالت ملوثة بالدم ، تفوح منها رائحة
الاستغلال .
إن تجربتنا المريرة مع الرأسمالية الاستعمارية والمستغلة كانت أصل المأساة،
وما كان ليمكن معها أن تقبل الطريق الرأسمالي سبيلاً إلى الكفاية والعدل .
لقد كان علينا أن نبحث عن طريق أخرى ، ينبع مع قيمنا الروحية والدينية والخلقية
، ويستجيب لواقع بيئتنا وظروفنا الاجتماعية ، وينزل على حكم الآمال الملحة
للجماهير في ضرورة التخلص من رواسب الماضي ، وما عاش فيه من استغلال وسيطرة وحرمان
.
وفرضت الاشتراكية نفسها حلاً حتمياً لجميع مشكلاتنا الاجتماعية والسياسية
والاقتصادية .
إن الاشتراكية هي وحدها القادرة على تحقيق مجتمع الكفاية والعدل ، إنها بما
تضمنه من سيطرة الشعب على جميع أدوات الإنتاج ، تفتح الفرصة أمامه لاستخدام كل هذه
الأدوات ، في سبيل زيادة الدخل ، وعدالة توزيعه في النهاية بين المواطنين .
وكانت اشتراكيتنا انعكاساً أميناً لكل تاريخنا بما استقر فيه من مبادئ ،
وما تفاعل فيه من قيم دينية وخلقية ، مما جعلها اشتراكية عربية في قيمها ، وفي
حلولها .
سمات الاشتراكية العربية :
لقد انتهى التطبيق الاشتراكي ، في بلادنا ، إلى إقامة اشتراكية عربية
متميزة، فهي تؤمن بالله وبرسالاته وبالقيم الدينية والخلقية .
وهي تؤمن بالجماعة ، وتقديم مصالحها على كل
اعتبار آخر .
ولكنها في الوقت نفسه تحترم كرامة الإنسانية
وحرية الفرد .
وهي ، إذ تسعى لتحقيق الكفاية ، لا تضحي بالجيل الحاضر في سبيل رفاهية الأجيال
القادمة ، وإنما تقيم التوازن بين تضحيات الأجيال المتلاحقة .
وهي تؤمن بالملكية الفردية غير المستغلة ، وبحث الإرث الشرعي ، وبالمبادرة
الفردية الخلاقة , التي لا تنحرف عن المصلحة العامة .. وهي في هذا تختلف عن
الاشتراكية التي تلغي الملكية الفردية لوسائل الإنتاج إلغاء تاماً .
وهي تؤمن بوحدة العشب وسيادته ، فلا تسمح بدكتاتورية أية طبقة أو سيطرتها ،
وإنما تعمل على تذويب الفوارق بين الطبقات .
وهي تؤمن بحل المتناقضات الطبقة حلاً سلمياً ، فتنكر العنف وسيلة لحل هذه
المتناقضات .
وهي ، في أسلوب عملها اشتراكية علمية ، تعتمد في تحقيق الكفاية والعدل على الأسس
العلمية ، وعلى كل ما وصل اليه العلم الحديث من نتائج .
هذا هو الطريق الاشتراكي الذي سلكناه ، له
خصائصه ومميزاته الذاتية .
إن الشيوعية ليست إذن هي البديل الوحيد
للطريق الرأسمالي .
لقد حتمت علينا ظروفنا وقيمنا ومبادئنا سلوك طريق يختلف عن الطريقين الآخرين
معاً .
هناك تعليق واحد:
الاشتراكية الناصرية هى الحل
إرسال تعليق