الأربعاء، مايو 15، 2013

البداية والنهاية .. للفسلفة العربية !


البداية والنهاية .. للفلسفة العربية

 

قبل أن نبدأ لا بد وأن نفرق بين الفلسفة وعلم الكلام فالفلسفة شيء وعلم الكلام شيء أخر ( أنظر الفرق بين الفلسفة وعلم الكلام )

نقطة البدء فيها حركة الترجمة التي ازدهرت في عصر الدولة العباسية وخاصة في عه المأمون ، يهمنا في هذا الصدد ترجمة الفلسفة اليونانية، كان بعضها قد ترجم قبل الإسلام من اليونانية إلى السريانية ، ثم ازدهرت حركة الترجمة بعد الإسلام على أيدي الناظرة من السريان ، الذين اسهموا بنصيب وافر منها ، ونخص بالذكر " حنين بن إسحاق " ومدرسته ، وقد شارك في الترجمة " الصابئة " لما لهم من اهتمام بالفلسفة اليونانية ، ونخص منهم بالذكر ثابت ابن قرة .

بعد النقل والترجمة تبدأ مرحلة اتخاذ المواقف من فكر وعلوم " الأوائل " ، أما الفقهاء والمتكلمون فقد اتخذوا موقفاً معارضاً – راجعين على سبيل المثال معارضة " أبي سعيد السجرافي " للمنطق اليوناني في حواره مع " أبي بشر متى بن يونس " في مجلس الوزير " ابن الفرات " ، كما سجلها " أبو حيان التوحيدي " في كتابه ( المقابسات ) ، وكان لابد من أن ينبري من اجب بفكر اليونان وفلسفتهم لتبرير تفلسفهم بدءاً من " الكندي " ( ينبغي ألا نستحي من طلب الحقيقة ، وأن أتت من الأجناس القاصية والأمم المباينة لنا ) ، ثم يصف رجال الدين المعترضين على الفلسفة ، بأنهم ( تتوجوا بتيجان الحق عن غير استحقاق ) ، وانتهاء " بابن رشد " الذي وصف الحكمة – أي الفلسفة – بأنها ( صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة ) .

إن المهمة الأساسية لفلسفة فلاسفة الإسلام هي التوفيق بين الدين والفلسفة ، أو بالأحرى بين العقيدة الإسلامية والفلسفة اليونانية ، بدعوى أن الغاية واحدة وهي الوصول إلى الحقيقة لا يعارض الحق – وأن اختلفا في الوسيلة ، فوسيلة الدين : الوحي ، ووسيلة الفلسفة : العقل .

أما " الكندي " ( أبو يوسف يعقوب ) أول الفلاسفة فقد جاءت فلسفته مزجاً بين أفكار المعتزلة ونظريات الفلاسفة ، يوافق المعتزلة في بعض أدلتهم على وجود الله وبخاصة الدليل الكوني – الاستدلال بالموجودات على وجود الله – وعلى أن العالم محدث ، ثم يتضح تأثره بالفلسفة في وصف الله بأوصاف غير مألوفة لدى المتكلمين ، الآنية الحقة ، العلة الأولى ، ويشايع فلاسفة اليونان في تصورهم للكون ، وفي أن الأجرام السماوية كائنات حية عاقلة لها الحسان الشريفان : السمع والبصر ، ويسايرهم كذلك في تصور المعرفة وأنها من مصدر علوي : العقل والفعل .


وأما " الفارابي " ( أبو نصر محمد طرخان ) فعنده تبدأ الفلسفة الخاصة ، أن عملية التوفيق بين الدين والفلسفة تقتضي مسبقاً أن تكون الفلسفة واحدة لا عدة مذاهب أو تيارات متعارضة ، مادامت تعبر عن الحقيقة – والحقيقة واحد لا تتعدد – ومن ثم كان لابد من التوفيق بين رأي الحكيمين ، وإظهار أن خلافهما ظاهري ، وربما عاونه على هذا التصور غير الصحيح ، كتب منحولة " لأرسطو " مثل كتاب الربوبية في حين هي من واقع الأمر مقتطفات من تاسوعات " أفلوطين " ، ويتضح المزج بين الدين والفلسفة في تصنيفه للعلوم حين أضاف إلى تصنيف " أرسطو " المعروف ، علوماً عربية كعلم اللسان ( اللغة والنحو ) وأخرى إسلامية كالفقه والكلام ، ولكنه ينحو نحواً يونانياً خالصاً من تصوره للكون ، وفي إقحامه نظرية الفيض لأول مرة في الفكر الإسلامي ، ثم في تصوره للمعرفة وأنها من أعلى بدن العقل ، وتأتي نظريته نم النفس أمشاجاً من أراء " افلاطون " ، " وأرسطو " ، والأخلاق عنده ارتقاء  بالنفس لتتصل بالعقل الفعال ، وبذلك تبلغ النفس السعادة المنشودة ، وأخيراً نظريته في السياسة أو أراء أهل المدينة الفاضلة ، وهي بدورها ذات طابع ( يوتوبي ) استقاها من جمهورية " أفلاطون " ، مركزاً على شخصية الحاكم الفيلسوف مضيفاً تصنيفاً لأنواع من المدن الجاهلة حتى يتضح التباين بينها وبين المدنية الفاضلة .

وعند " ابن سينا " ( أبو علي الحسين ) تصل الفلسفة الإسلامية إلى ذروتها وأن كان يعد هو في الحقيقة امتداداً " للفارابي " ، غير أن بحث النفس يحتل بين فلسفته وفي مختلف كتبه مكاناً بارزاً ، حيث يخصص له عدة رسائل ، وهو يجعل للنفس وجوداً سابقاً على البدن ، في العالم العلوي ، وأنها هبطت إلى الجسم لترتقي به ولتستفيد من العالم الأرضي ، علماً لم يكن متاحاً لها في عالمها العلوي ، ثم تغادره إلى عالمها مشفقة عليه أول الأمر غير آسفة بعد ذلك على الفراق ، لأنها من طبيعة غير طبيعته .

ومع أن " ابن سينا " قد جنح في معظم جوانب فلسفته إلى الفلسفة اليونانية على حساب العقيدة الإسلامية ، مما سيثير عليه " الغزالي " ، فيكفره هو والفلاسفة في موضوعات ثلاث : قدم العالم – عدم علم الله بالجزئيات – عدم حشر الأجساد ، فإنه في ختام كتابه " الإرشادات والتنبيهات " قد مال إلى التصوف مما حير الباحثين ، هل هذا الجزء غريب عن روح فلسفته أو أنه توج فلسفته بالتصوف فغلب الطابع " الأفلاطوني " على " الأرسطو طاليسي " ؟ .

وبتكفير الغزالي للفلاسفة ، انتهت مسيرة ذلك الاتجاه الفلسفي الذي يرجح الفلسفة على الدين حال التعارض ، ولتتخذ الفلسفة منعطفاً أخر ، عرف بالفلسفة الشرقية حيث تغلب الطابع " الأفلاطوني – الأفلوطيني " ، على الطابع " الأرسطي " ، الذي يثير إشكاليات مع الدين بصدد العلم الإلهي ، وقدم العالم وحشر الأرواح دون الأجساد ، بذلك استأنفت الفلسفة مسيرتها في المشرق ، بدءاً من " شهاب الدين السهرودي " إلى أن تبلغ ذروتها لدى " صدر الدين الشيرازي " .


أما في المغرب العربي ، فقد تابعت الفلسفة سيرتها الأولى متحررة من الإشكاليات التي أثارها " الغزالي " ، وذلك لدى كل من " ابن باجة " حيث التوازن بين تأثير " أفلاطون " وتأثير " أرسطو " ، و " ابن طفيل " الذي قدم في قصته الرمزية ( حي بن يقظان ) فلسفة قائمة على فكرة إمكان وصول الإنسان إلى معرفة الله ووحدانية ، دون تلقي ذلك من أسرة أو من مجتمع ، وأن الطقوس والشعائر الدينية المتعلقة بكيفية ممارسة العبادات هي وحدها التي لا سبيل إلى العلم بها ، إلا من خلال الأنبياء ، وتكتمل فلسفة المغرب عند " ابن رشد " والذي يمكن حصر أهم معالم فلسفته في اتجاهات ثلاثة :

1.  عقلية نقدية مكنته من تنقيح فلسفة " أرسطو " مما علق بها من " أفلاطونية " محدثة ثم شروح على كتب " أرسطو " جعلت منه الشارح الأكبر .

2.  دفاع عن الفلسفة ضد هجوم " الغزالي " بعد أن حررها من الغيبيات التي كانت عالقة بفلسفة كل من " الفارابي " ، " وابن سينا " والتي – على حد تعبير " ابن رشد " – أضاعت هيبة الفلسفة مثل نظرية الفيض .

3.  بيان خطأ المتكلمين ، وبخاصة الأشاعرة في دعواهم الدفاع عن الدين ضد الفلسفة ، لأن أدلتهم جدلية ظنية بينما أدلة الفلاسفة برهانية يقينية ، وبذلك أمكن إعادة مقولة التوفيق بين الفلسفة والدين .

وانتهى الفلسفة في الفكر الإسلام ليقدر لها ولفلسفة " ابن رشد " بالذات ، أن تترجم إلى اللاتينية لتنشأ في الفكر الفلسفي الأوروبي مدرسة " رشدية " لاتينية ، على مدى أربعة قرون يجد فيها البعض ، مثل " موسى بن ميمون " ، خير معبر عن فكرة التوفيق بين الدين والفلسفة ، على حين وجد نفر من اللاهوتيين من أمثال " جيوم الأقرني " والقديس " بونا فانتورا " في مذهبة زندقة ، لأنها تنكر الخلق والعناية الإلهية والوحي والمعجزات والبعث والخلود ، وصدر مرسوم بابوي بأمر البابا " يوحنا " الحادي والعشرين ، بعقاب أصحاب العقائد الضالة والمقصود بذلك " الرشديون " .

وهكذا قدر لفقه قرطبة أن يرى البعض في مذهبه جنوحاً إلى العلمانية !

ليست هناك تعليقات: