الاثنين، يونيو 01، 2009

من رسالة المعاش والمعاد لابوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ




فاعرف لأهل البلاء – ممن جرت بينك وبينه مودة أو حرمة ، ممن فوقك أو دونك أو نظرائك – أقدارهم ومنازلهم ، ثم لتكن أمورك معهم على قدر البلاء والاستحقاق ، ولا تؤثر في ذلك أحداً لهوى ، فإن الأثرة على الهوى توجب السخطة ، وتوجب استصغار النعمة ، ويمحق بها الإفضال ، وتفسد عليها الطائفتان : من آثرت ومن آثرت عليه
أما من آثرت فإنه يعلم انك لم تؤثره باستحقاق بل لهوى ، فهو مترقب أن ينقلب هوك إلى غيره ، فتحول أثرتك حيث مال هواك ، فهو مدخول القلب في مودتك ، غير آمن لتغيرك
أما من آثرت عليه بعد الاستحقاق منه ، فقد جعلت له السبيل إلى الطعن عليك ، وأعطيته الحجة على نفسك ، فكل من يعمل على غير ثقة عاد ما أراد به النفع ضرراً ، والإصلاح فيه فساداً
فإن ابتليت في بعض الأوقات بمن يضرب بحرمه ويمت بدالة يطلب المكافأة بأكثر مما يستوجب فدعاك الكرم والحياء إلى تفضيله على من هو أحق منه إما تخوفاً من لسانه أو مداراة لغيره فلا تدع الاعتذار إلى من فوقه من أهل البلاء والنصيحة وإظهار ما أردت من ذلك لهم ، فإن أهل خاصتك والمؤتمنين على أسرارك ، هم شركاؤك في العيش فلا تستهدين بشيء من أمورهم ، فإن الرجل قد يترك الشيء من ذلك اتكالاً على حسن رأي أخيه ، فلا يزال ذلك يجرح في القلب وينمو ، حتى يولد ضغناً ويحول عداوة
وستجد في من يتصل بك من يغلبه إفراط الحرص وحميا الشره ، ولين جانبك له ، على أن ينقم العافية ، ويطلب اللحوق بمنازل من ليس مثله ، ولا له مثل دالته فتلقاه لما تصنع به مستقلاً ، ولمعروفك مستصغراً ، وصلاح من كانت هذه حاله بخلاف ما فسد عليه أمره ، فاعرف طرائقهم وشيمهم ، وداو كل من لا بد لك من معاشرته بالدواء الذي هو أنجع فيه أن لينا فليناً وأن شدة فشدة
فمن الأمور التي يوجب بعضها بعضاً : المنفعة توجب المحبة ، والمضرة توجب البغضاء ، والمضادة توجب العداوة ، وخلاف الهوى يوجب الاستثقال ، ومتابعته توجب الألفة ، والصدق يوجب الثقة ، والكذب يوجب التهمة ، والأمانة توجب الطمأنينة ، والعدل يوجب اجتماع القلوب ، والجور يوجب الفرقة ، وحسن الخلق يوجب المودة ، وسوء الخلق يوجب المباعدة ، والانبساط يوجب المؤانسة ، والانقباض يوجب الوحشة ، والتكبر يوجب المقت ، والتواضع يوجب المقة ، والجود بالقصد يوجب الحمد ، والبخل يوجب المذمة ، والتواني يوجب التضييع ، والجد يوجب رخاء الأعمال ، والهوينا تورث الحسرة ، والحزم يورث السرور ، والتغرير يوجب الندامة ، والحذر يوجب العذر ، وإصابة التدبير توجب بقاء النعمة ، والاستهانة توجب التباغي ، والتباغي مقدمة الشر وسبب البوار
ولكل شيء من هذا إفراط وتقصير ، إنما تصح نتائجها إذا أقيمت على حدودها وبقدر ما يدخل من الخلل فيها يدخل فيما يتولد منها ، لابد منه ولا مزحل عنه ، عليه عادة الخلق ، وبه جرت طبائعهم وتمام المنفعة بها إصابة مواضعها
فالإفراط في الجود يوجب التبذير ، والإفراط في التواضع يوجب المذلة والإفراط في الكبر يدعو إلى مقت الخاصة والإفراط في المؤانسة يدعو خلطاء السوء ، والإفراط في الانقباض يوحش ذا النصيحة
وآفة الأمانة ائتمان الخانة وآفة الصدق تصديق الكذب ، والإفراط في الحذر يدعو إلى ألا يوثق بأحد ، وذاك ما لا سبيل إليه ، والإفراط في المضرة مبعثه على حربك والإفراط في جري المنفعة غناء لمن أفرطت في نفعه عنك
واحذر كل الحذر أن يخدعك الشيطان عن الحزم فيمثل التواني في صورة التوكل ويسلبك الحذر ، ويورثك الهوينا بإحالتك على الأقدار فإن الله إنما أمرك بالتوكل عند انقطاع الحيل والتسليم للقضاء بعد الأعذار ، بذلك انزل كتابه وأمضى سنته فقال ( خذوا حذركم )
من رسالة { المعاش والمعاد } أبو عثمان عمرو بن بحر محبوب الكناني الليثي البصري ، المكنى بالجاحظ

هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

تسالىىىىىىىىىىىىىىى
انا بهرش فى راسى اظاهر انى بدأت افهم حاجة بس الموضوع محتاج كيلو لب علشان ارجع أأرا تانى بس انا مش عارف انا الغبى ولا الجاحظ لسة مش عارف يفهمنى انا غبى صحيح بس بحاول افكر حتى شوف .. اهه.
أنا جييييييييييييي

Ehab يقول...

والله العظيم كلام مية مية بس ما ياكلش عيش فى الزمان الاغبر ده

عطش الصبار يقول...

استاذ فارس
البوست رائع مع قليل من التركيز استطعت استيعابه
انا فعلا مع انى مررت بقطار الحياه على كثير من محطات النفوس البشريه وتصرفاتها
وتوقفت كثيرا امام تلك التصرفات دون ادراك لماذا نتصرف هكذا وامامنا كل شىء يشرح ويوضح نفسه _____فالحق حق والباطل باطل فالماذا يجهد البعض نفسه حتى يقلب تلك الموازين
هذا البوست اجاب على تلك الاسئله التى لازمتنى خلال رحله الحياه
وقد ادعى ان الحزم مع النفس فى العطاء والتصديق والافراط وووووووووووووو
هو الحل لاصلاح النفس
هذا ما فهمت من قرأتى السريعه للبوست وسوف اعود اليه فى وقت لاحق
حتى استزيد شكرا استاذ فارس
بوست لو عملنا ربع ما به لتغيرت حياتنا
تقبل تحياتى

ن يقول...

السلام عليكم
الاخ الفاضل .. فارس

لقد قرأت بعضا من رسائل الجاحظ فى سن مبكرة ثم عدت وقرأتها بعضها ايضا فى العشرينات ومع ذلك أنا مع القول الذى يقول
أن في إعادة القراءة لكتب التراث وبخاصة ما بعد زمن قراءتها يمد القارئ بألوان من المعرفة لم يكن في مقدوره إدراكها في القراءة الأولى
أجل قد لا يدرك البعض الان معانى هذه الفلسفات لأنى كما قلت سابقا بكل أسف لقد أخذنا على تلقى المفاهيم الثابته هذا من ناحية كما اعتاد العالم منذ قرابة قرن التعامل المباشر مع العلوم التطبيقية مما أدى الى تراجع ملكة الفكر الفلسفى وساعد على ذلك مرور العالم كله بأزمات الحروب والنزاعات السياسية المختلفة وهذا من ناحية أخرى والدليل على ذلك عصر الجاحظ ونظام دولته التى ساعد على خروج مثل هذه الفلسفات بل علمه الغزير الذى تعدد فلم يكن هناك وقتها حكر على العلم وتقيده حيث بلغت حرية الفكر والاعتقاد والسلوك وحده مبلغا قليل النظير فى تاريخ البشرية وهذه الحريةكانت هى الحامل الفكرى المحورى لتلك الحقبة وذلك عندما تولى المأمون الخلافة الذى على يديه اتسعت أبواب المناظرات والمناقشات لأنه كان يحتوى المفكرين والفقهاء على اختلافهم فكان يفتح لهم المجال فى الحوار حيت الاتفاق والاختلاف وبالتالى قاد حملة التطور والتغير والحركةوالنشاط
ولكن أدى هذا الى نمو البدع والضلالات وتشعب الفرق الدينية ما بين حديثى ومعتزلى وشيعى وزيدى وأذكر بعض الاسماء المتعارف عليها بكثرة مثل الصوفية والدهرية وهذامن قائمةطويلة من الفرق
لذلك كره اغلب الناس حاليا التعامل مع هذه الفلسفات نظرا لظروفهم المعيشيةمن جهة والالتفات الى العلوم التطبيقية من جهةأخرى لأنها أصبحت من متطلبات العصر بل وفى المرتبة الاولى ثم النظم السياسية التى اختلفت فى توجهها من وقت لأخر مما أدى الى تناول مثل هذه الفلسفات بشكل فردى يجعل الفرد فى دوامة نزاع قد تؤدى به الى الالحاد أحيانا ً . ويجب عدم تجاهل هذه الفلسفات تجاهل تام ولا التبحر بها لدرجة تشتت العقل
فالاطلاع على مثل هذه الفلسفات الان أمر له أهميته لنتعلم كيفية الشك والاستقراء والتجريب والنقد فيما يقذفة لنا الاخرون ونحاول التقلد به أو الاقتناع به دون تفكير شرط أن يكون العلم بمثل هذه الفلسفات
لا تجرؤ على المساس بجوهر العقيدة والا أصبحنا فى مهب الريح .
هذاما دار فى ذهنى الان وقد يكون للحديث بقية .
مع خالص تحياتى

Beram ElMasry يقول...

فارس عبدالفتاح
عزيزي وصديقي الكريم انا في احسن حال باناس مثلكم لك تقديري وبنلاف التماسيييييييييييي يا كبير ومستنيك
خالص تحياتي والسلام ولا سلام مع اليهود

Unknown يقول...

تعمد الجاحظ استخدم اسلوب التحذير وأهميته تكمن في اخذ الحيطة من العدو وعدم تمكنه منا واتخاذه الحزم في مواقف الضعف التي تتمثل بهلاك البدن والروح دون ان يدرك ان الحزم المفرط ممكن ان يوقعه في الخطأ وذلك لأنه الخطر يحاطُ به وهو لا يدركه. حيث قصد إن استسلمت لإرادته وإذا توكلت عليه، وأخذت بالأسباب، فالآن سلِّم الأمر لربك؛ إن شاء يَسَّر أمرك أو لا، وأنت في كل الأحوال راضٍ عن الله، موقن أنه لا يقدر لك إلا الخير، وبعدها فكر بها في عقلك دون ان يؤثر عليك الشيطان والأهم من ذلك أن تجمع بين الأخذ بالأسباب بجوارحك مع كفر قلبك بها حتى تتوصل الى اليقين دون التأثر بأي أحد.