وقد أجمع الحكماء : أن العقل المطبوع والكرم الغريزي لا يبلغان غاية الكمال إلا بمعاونة العقل المكتسب ، ومثلوا ذلك بالنار والحطب ، والمصباح والدهن ، وذلك أن العقل الغريزي آلة ، والمكتسب مادة ، وإنما الأدب عقل غيرك تزيده في عقلك .
وأعلم أن الآداب إنما هي آلات تصلح أن تستعمل في الدين وتستعمل في الدنيا ، وإنما وضعت الآداب على أصول الطبائع ، وإنما أصول أمور التدبير في الدين والدنيا واحدة ، فما فسدت فيه المعاملة في الدين فسدت فيه المعاملة في الدنيا ، وكل أمرٍ لم يصح في معاملات الدنيا لم يصح في الدين ، وإنما الفرق بين الدين والدنيا اختلاف الدارين من الدنيا والآخرة فقط ، والحكم هاهنا الحكم هناك ، ولولا ذلك ما قامت مملكة ، ولا ثبتت دولة ، ولا استقامت سياسة ، ولذلك قال الله عز وجل : " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا " ، قال أبن عباس في تفسيرها : " هو إذا انتقل إلى الدين ، فإنما ينتقل بذلك العقل ، فبقدر جهله بالدنيا يكون جهله بالآخرة أكثر ، لأن هذه شاهده وتلك غيب ، فإذا جهل ما شاهد فهو بما غاب عنه أجهل " .
وليس كل ذي نصيب من اللب بمستوجب أن يسمى في ذوي الألباب .. فمن رام أن يجعل نفسه لذلك الاسم والوصف أهلاً فيأخذ له عتاده ، وليعد له طول أيامه ، وليؤثره على أهوائه ، فإنه قد رام أمراً جسيماً لا يصلح على الغفلة ، ولا يدرك بالمعجزة ، ولا يصير على الأثرة .
هناك تعليقان (2):
أظن أنا كده أول تعليق
فعلا طلعت أول تعليق
إزيك يا أستاذى العزيز
جميل الكلام اللى إنت قلته فهو مهم و حكيم
تحياتى و مودتى
إرسال تعليق