الثلاثاء، سبتمبر 21، 2010

الديالكتيك ، المادية الجدلية


تعريف لفكر – المادية الجدلية ، الديالكتيك– وتطوره : الجزء الأول .

من كتاب : نقض أوهام المادية الجدلية – الديالكتيك – للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي .

الديالكتيك : كلمة يونانية مشتقة من ديالوج ، بمعنى محادثة .. مجادلة . مجاذبة أطراف الكلام .

وأول من استعمل هذه المفردة هو الفيلسوف – هيرقليط ، 6 ق م – وهو أول من جعل لها دلالة علمية وربطها بالمعنى الهام الذي لاحظه في أشياء الطبيعة كلها ، هو : كل شيء يتغير ، ويجري ، ويتطور من حال إلى أخرى ، فهو في حالة صيرورة مستمرة ضمن ذاته ... وشرح هذه الفلسفة العلمية هي التأكيد على أن في المادة قوة ذاتية تحرك ذراتها الصغيرة جداً .. ينتج عنها توالد أشياء أو جزئيات جديدة ، بدوافع ذاتيه كامنة في ضمنها ، تحل محل أصولها ، ضمن الكل الواحد .

ثم عبر التاريخ تم تطويره والإضافة إليه ولاقى قبولاً كثير بما يتفق والظواهر الطبيعية المتجددة ، فقالوا : إن كل ما في الكون ينقسم إلى مادة وقوة ، فالحجر والخشب والمعادن مثلاً مادة والحركة والكهرباء والحرارة قوة ، ولابد أن كلاً من المادة والقوة مختلفتان ، ولكنهما في القوت ذاته متلازمان ، إذا فكل شيء يتحرك ويتغير حقاً .

غير أن هذا المصطلح القديم للديالكتيك ، لم يكن يدل على مذهب مادي ضيق ، يحوى مقومات وتحليلات خاصة ، يتشكل من مجموعها اتجاه خاص أو فلسفة مستقلة عن المذاهب والأفكار الأخرى التي تندرج جميعاً في مبدأ واحد هو الإقرار ، بالمادة ووجودها سواءً مستقلاً عن الوعي الإنساني أم غير مستقل .

بل لعله لم يكن في تصور أصابه أكثر من مضمون عام ، يتسع لفكرة الحركة الميكانيكية ، أي القائمة على علل وقوى خارجية ، كما كان يتسع من باب أولى لفكرة الحركة ، أو القوة الذاتية ، في الشيء : ( الديناميكيا ) .


وهذه النظرة الفلسفية العلمية ترد على الفكر الفلسفي القائل : بأن جميع الأشياء والظاهرات جامدة الذات والمحتوى ، فهي لا تتغير ولا تتحرك ، وأطلق على أصحاب هذه الفلسفة ( الميتافيزيائية ) .

والمادية الجدلية – الديالكتيكية – عند الفيلسوف الألماني جورج هيجل ( 1770 – 1831 ) :

تتمثل فلسفته كلها في أن وجود الشيء ، أي شيء على الصعيد الخارجي ، إنما هو ثمرة الإبداع الفكري له فالفكر يبدع الشيء صورة ومثالاً ، ثم يدفعه إلى الصعيد الخارجي حقيقة مطابقة لذلك المثال .

ونضرب لذلك مثلاً للتقريب : هو أن الوجود الأصلي للشجرة كامن في نواتها ، والوجود الأصلي للبناء كامن في خارطته ، والوجود الأصلي للأنغام التي تنبعث من العزف على الآلات المشاهدة كامن في مدونة اللحن ( النوته ) كذلك الوجود الأصلي لأي شيء من الموجودات التي نراها من حولنا ، كامن في جذورها التي أشرقت قبل كل شيء مثالاً وتصوراً في ساحة الفكر ، ولا يقصد بالفكر ، فكراً جزئياً يتمثل في فكري أو فكرك أو أفكار الآخرين ، وإنما يقصد الفكر بمعناه الكلي .. أي الحقيقة الكلية لمعنى كلمة – الفكر – فتشمل عندئذ التدبير الإلهي . على نحو تندرج فيه شتى مظاهر الفكر الجزئية المتفرعة عنه ، فهو يريد بالفكر الكلي أو ما يعبر عنه بالوجود المطلق ، ما كان يصطلح عليه قدامى الفلاسفة بالعقل الأكبر ( أي الله سبحانه وتعالى ) .

إذن فلسفة هيجل لا تنبذ عالم ما وراء الطبيعة والروح ، ولكنها تفتح سبيلاً منطقيا وموضوعياً – مادي – إليه ( أي الله سبحانه وتعالى ) ، وأصبحت ساحة ما وراء الطبيعة إذن داخلة بفضل هذا المنطق ضمن حدود العلم ، وتلك هي غاية فلسفة هيجل .

إن رحلة الكشف عن أي حقيقة تكمن في ساحة الطبيعة – المادة – أو تتجلى في علياء الروح ، إنما تبدأ – بنظر هيجل – من أطروحة مجردة تنشأ في أعماق الفكر ، " الوجود المطلق " وتلك هي مرحلة نظام الشيء في ذاته – أي نظام الشعور – ثم تنعكس إلى الواقع للتحول إلى ( ماهية ) وتلك هي مرحلة نظام الشيء من أجل ذاته ، إذ تتولد من ذلك الوجود المطلق حقيقة ذات حدود وتعينات خارجية تتشخص وتستبين بوساطة نقائضها التي تلامس ، أو تحتك بأقصى حدودها المحيطة بها من سائر أطرافها ، ثم ترتد هذه الماهية إلى الفكر لتتركب مع الوجود الذهني ، فتغدو ( مفهوماً ) وتلك هي مرحة نظام الشيء من اجل ذاته ، وفي ذاته ، أي ماهية وشعوراً .

المرحلة الأولى : تسمى ( أطروحة ) والمرحلة الثانية : وهي مرحلة الظهور الخارجي تسمى ( نفياً ) والمرحلة الثالثة : وهي تطابق الشكل الخارجي مع الوجود الذهني تسمى ( نفي النفي ) أو تركيباً .

وكل طور من هذه الأطوار الثلاثة ينفي ذاته – أن صح التعبير – ليندمج في الطور الذي يليه ... تلك هي أطوار الحركة الجدلية الديالكتيكية أو التناقضية من الفكر إلى الطبيعة ثم من الطبيعة إلى الفكر ، والقانون ذاته يتكرر بصدد أطوار الحركة الجدلية من الفكر إلى الروح .. فهي تسير خلال هذه الإيقاعات الثلاثة – على حد تعبير بعضهم – من الوجود المطلق ، لترتقي صعداً إلى عالم الروح ، حيث الفن والدين والقيم الجمالية والإنسانية المختلفة ، ثم لترتد في تركيب أغنى إلى الفكر .

إلا أن هذه الحركة الثلاثية ذاتها ، تتكرر ، لتقدم في كل مرة تركيباً أغنى من الأول . . فالمفهوم الذي ارتد إلى الذهن تركيباً ، وهي خاتمة الحركة الثلاثية كما أوضحنا ، يتحول مرة أخرى بعد تعديل ذهني فيه ، إلى أطروحة أ أي مشروع يستمد من الوجود المطلق ، ثم ينعكس إلى الوجود الخارجي – إذا كان الأمر متعلق بقضايا الطبيعة – أو إلى القيم والتجليات الروحية ، إذا كان الأمر متعلقاً بشيء من مقولات الروح ، حتى إذا شكله وأبعاده واستبان مضمونه ( أي أصبح ماهية ) ارتد ثانية إلى الوجود الذهني ، ليصبح مفهوماً جديداً أعلى درجة وتعقيداً من مفهوم الأول ... وهكذا دواليك .

الذي نصل إليه ، إذا ما فهمنا جيداً هذا المنطق الذي ينادي به هيجل ؟

نصل إلى نتيجة ، هي أن الفكر الإنساني عامل كبير ( بنظر هيجل ) في إقامة بنيان متماسك للحقائق بأشكالها الطبيعية وفي إفاضة روح الحركة والنمو في الموجودات .

غير أن هذا لا يعني أن هذا الفيلسوف ينكر وجود الموضوعات الخارجية ، المستقلة عن وعي الإنسان .. لا . بل أنه ليشد على تقرير أن الطبيعة موجودة وجوداً حقيقياً بذاتها ، والفيزياء التي تنشئها علماً هي من نظام الموضوعية ( المادة ) وإنما الذي يعينه ، هو أن الفلسفة ( المراد هنا فلسفة هيجل ) تكشف عن علاقات منثورات القوانين الطبيعية والفيزيائية ببعضها ، وتربطاها بمفاعلها الكلي الأسمى الذي لا يستبين إلا بميزان الفلسفة والمنطق ، فيتضح للفكر السبيل الأمثل ، من أجل شد التجارب الطبيعية المتناثرة إلى بعضها في نظام ميكانيكي ، ليبدع أشكالاً أتم وأغنى ، وليرقى بها الإنسان إلى نظامها الكلي وغاياتها المثلى في حياة الإنسان ، وضمن هذه الحدود يتجلى إبداع الفكر الإنساني ، وفعاليته في علم الطبيعة ، أي أن فاعليته تتجلى في تجاوزه الجزئيات التي كثيرا ما تبدو متعارضة ، لحاقاً بالروح الكلية الكامنة خلفها والمؤلفة بينها .

وقد يتخيل إليك لأول وهلة ، أن المنطق ليس أكثر من منهج ، وإذن فإن هيجل ، إنما يعتمد على الديالكتيك في المنهج الفكري فحسب ، ولكن الواقع ليس كذلك ، أن الديالكتيك عند هيجل حركة على النحو الذي بينته قبل قليل ، وهو يقرر أن هذه الحركة تبدأ من الوجود المطلق متمثلاً في الفكر ، متجهة إلى سائر مظاهر الموجودات الخارجية ، والى سائر الأحاسيس والقيم العلوية ، ثم عائدة إلى منطلقها الأول ، وهذا هو معنى قوله : " أن الحقيقة هي الحركة من ذاتها والى ذاتها ، في حين أن المنهج هو المعرفة المستقلة عن الذات " ، فالديالكتيك بنظره إذن نظام كل من الفكر والروح والطبيعة معاً .

فيقول هيجل : " أن يكون التاريخ الكلي هو هذا النمو ، أن يكون سيرورة الروح الحقيقية في شكل حركات تاريخية متبدلة ، ذلك هو العلم الإلهي الحق ، وتسويغ وجود الله في التاريخ ، أن هذا النور وحده هو الذي يستطيع أن يوائم بين الروح وبين التاريخ الكلي ، والواقع معناه أن ما حدث ويحدث كل يوم ليس قائماً بمعزل عن الله بل هو جوهر من صنعه وهو ذاته " .





هناك 8 تعليقات:

غير معرف يقول...

اول مره اسمع عنها :)

فعلا تشبه القوانين الفيزيائيه لحد كبير

تحياتي

غير معرف يقول...

أنا بعت لحضرتك ردي على الفيديو ... يا ريت تقراه

تحياتي

ذو النون المصري يقول...

كل سنه و انت بخير
متاخر لاني كنت برتب للسفر و خلاص سافرت

ابن الإيمان يقول...


السلام عليكم..
لماذا مواضيعك الجديده لا تظهر عندي في الريدر كباقي مدونات الاصقاء!!!!!

د. ياسر عمر عبد الفتاح يقول...

قريت عنها مرة
كإسم وعنوان فقط
يعني أبقى فاهم المغزي منها

لكن أنا مليش في القصة دي


أنا جاي اسلم عليك
أنا شفت الفيديو ,, ونشرته كمان علشان أوضح الحقيقة لناس كثير مخدوعة

جزاك الله خيراً

ali يقول...

fuck you

غير معرف يقول...

خليك صريح ومتسهوكش زي الحريم

واحد من الناس يقول...

مهما تمدح في ركلاب العسكرهفضل اكرهم