من كتاب نقض أوهام المادية الجدلية الديالكتيكية : الجزء الثالث ، للدكتور المفكر محمد سعيد رمضان البوطي .
لقد كان الأجزاء الثالثة الماضية ما هي إلا تمهيداً وشرحاً للفلسفة الماركسية عن المادية الديالكتيكية ، أي الجدلية المادية ، للشروع في نقض هذه الفلسفة من أساسها بطريقة علمية موضوعية .
ونبدأ الآن بأول المقولات الحتمية للفلسفة الماركسية ونشرع في نقضها نقضاً موضوعياً بعيداً عن الإفراط والتفريط وبطريقة نزيهة .
المقولة الأولى : المادة أساس الوجود وينبوع الحقائق .
وقد أوضحنا أن هذا التصور هو حجر الزاوية في الفلسفة المادية ، وتتفرع عن هذا التصور النقاط التالية :
النقطة الأولى : أن المادة هي أقدم الموجودات ، فالموجودات اللاحقة كلها ، داخلة في ماهيتها أو نتيجة وثمرة لها كالروح والفكر والإحساس .
النقطة الثانية : المادة مستقلة في الوجود عن وعي الإنسان وادراكاته ، وليس كما ينسب إلى المثاليين من أن المادة اثر من آثار الفكر ، أو أنها وهم لا وجود له إلا في الفكر .
النقطة الثالثة : لا تقف المادة عند حدود ضيقة من الخصائص والظواهر ، بل أن لها ظواهر غير متناهية إذا ما تابعها البحث بالتدقيق والتفريغ .. إذن فمهما قدم لنا العلم من اكتشافات جديدة عن المادة وذراتها وجسيماتها وما يعتلج في داخل هذه الجسيمات ، فلن يكون ذلك برهاناً على عدم وجود المادة أو على أن الوهم يكتنف أسباب العلم بها ، إذ أن جزيئاتها مهما دقت وذابت في متاهات الحركة والتفاعل ، فإنها تظل محافظة على خصائصها ألا وهي استقلالها في الوجود عن الذات .
فأما النقطة الأولى : فهي دعوى مجردة لا تستند إلى أي برهان علمي .
إنني استطيع أن اطرح أي دعوة مخالفة للعقل والعلم ، بهذه الطرقة من التجاهل للحجة والبرهان ، ولكن من البديهي أنني لا استطيع أن ألزم أحداً من العقلاء بها .
ما الذي قدمه أئمة الديالكتيك المادي ، من البراهين العلمية ، على أن الروح والفكر والإحساس ، كل ذلك ثمار أنتجتها المادة ؟
إن أدق ما قدمته الماركسية من برهان على هذه الدعوة ، إلى الآن ، هو أن الحياة تنشأ عن الحرارة ، والحرارة بدورها تنشأ عن الحركة ، أي فالحركة + الحرارة = حياة .. !
ونحن نلجأ إلى السبيل ذاته الذي تهدينا إليه الماركسية ، لضبط سلامة مع معارفنا ، إلا وهو سبيل : التطبيق ، فالمعرفة العقلية ، إنما تتم في مجرى التطبيق مجرى النشاط العملي ، نلجأ إلى سبيل التطبيق ومجرى النشاط العملي ، لنتبين هل أن الحركة + الحرارة = الحياة حقاً ؟
من الذي جمع هاتين الظاهرتين إلى بعضهما ( بجهد من تطبيقه الخاص ) ، بهذه البساطة ، أو بما شاء من التعقيد لكيميائي ، فاستخرج منها حقيقة الحياة ؟
لا بد أن نعيد هنا إلى الذاكرة خبر المؤتمر الذي عقده ستة من أئمة علماء الحياة في كل من الشرق والغرب ، حول مائدة مستديرة في نيويورك عام 1959م، أملاً في الوصول إلى فهم عن أصل الحياة ، ونشأتها على ظهر الأرض ، ا والى معرفة مدى إمكان إيجاد الحياة عن طريق التفاعل الكيميائي ، وكان فيهم العالم الروسي ( الكسندر ايفانوفيتش اوبارين ) أستاذ الكيمياء الحيوية في أكاديمية العلوم السوفييتية .
لقد قرر المؤتمرون ، في نهاية بحوثهم ، بالإجماع ، إن أمر الحياة لا يزال مجهولاً ، ولا مطمع في أن يصل إليه العلم يوماً ما ، وأن هذا السر ابعد من أن يكون مجرد بناء مواد عضوية معينة وظواهر طبيعية وكيميائية خاصة .
فأين هو دليل ما يسميه الماركسيون بالتطبيق والنشاط العملي ، على صدق هذا التصور الذي يقضي بكل بساطة بان الحركة + الحرارة = الحياة ؟
نحن لا نشك في أن كل من الحركة والحرارة ، من ابرز خصائص الحياة ، ولكن من المفروغ منه ، في قواعد المنطق ، أن خواص شيء ما ليست تعبيراً عن الجوهر الذاتي الذي يقوم به ، فالماء مثلاً في حالة الغليان يتصف بكل من الحركة والحرارة ، ولكن من الواضح أن جوهر الماء شيء آخر غير الحركة والحرارة ، وهكذا فنحن نقر بأن الحياة لا تنشأ إلا حيث يتوافر كل من الحركة والحرارة ، غير إنهما خصيصتان من خصائص الدالة عليها ، أما جوهر الحياة ذاتها فشيء آخر نبهت إلى وجودها كل من هاتين الخصيصتين .
الحركة والحرارة وكل ما يسعد من العناصر الأساسية للحياة ، كالإيدروجين والكربون والازوت والأوكسجين ، والفسفور ، والكبريت – هذه كلها لا يمكن أن يعبر عنها بأنها منشأ الحياة ، أو أن الحياة تتكون من مجوعها أو تآلفها بشكل معين ، وإنما التعبير الصحيح أن الحياة – التي لا ندري جوهرها – تتخذ من هذه العناصر مظهراً لها ، كالضياء الساطع على صفحة جدار ، لا يمكن أن يكون الضياء هو صفحة الجدار ذاتها ، ولكنها مظهر له أو شرط لتجليه .
ثم إننا نقول : لو صح أن المادة هي ينبوع الروح وما يتفرع عنها ، لقضى العقل ، بحكم البديهة ، أن يكون الإنسان اسبق إلى فهم الروح وعناصرها وأسرارها ، منه إلى فهم المادة وذراتها وجزئيات تلك الذرات وكهاربها ، ذلك لان العقل إذا أدرك أصل الشيء وحقيقته ، فهو أحرى أن يدرك ثمراته وفروعه ، يجهد اقل وطريقة اقصر ، ولا ريب أن أحداً من العقلاء لا يستطيع أن يتصور أن رجلاً من الناس أتيح له أن يفهم ذات الشجرة في جذورها وطبيعتها وتحليل كل أجزائها ودخائلها ، حتى إذا رأي الثمر في أعلاها ، استغلق عليه سبيل المعرفة به فلم يفهم منه ظاهراً ولا باطناً ، وبقي – وهو فرع للشجرة التي أدرك دخائلها – سراً غامضاً لم يهتد منه إلى شيء .. !
هل من العقلاء من يصدق هذه الفرضية العجبية ؟
لقد كان الأجزاء الثالثة الماضية ما هي إلا تمهيداً وشرحاً للفلسفة الماركسية عن المادية الديالكتيكية ، أي الجدلية المادية ، للشروع في نقض هذه الفلسفة من أساسها بطريقة علمية موضوعية .
ونبدأ الآن بأول المقولات الحتمية للفلسفة الماركسية ونشرع في نقضها نقضاً موضوعياً بعيداً عن الإفراط والتفريط وبطريقة نزيهة .
المقولة الأولى : المادة أساس الوجود وينبوع الحقائق .
وقد أوضحنا أن هذا التصور هو حجر الزاوية في الفلسفة المادية ، وتتفرع عن هذا التصور النقاط التالية :
النقطة الأولى : أن المادة هي أقدم الموجودات ، فالموجودات اللاحقة كلها ، داخلة في ماهيتها أو نتيجة وثمرة لها كالروح والفكر والإحساس .
النقطة الثانية : المادة مستقلة في الوجود عن وعي الإنسان وادراكاته ، وليس كما ينسب إلى المثاليين من أن المادة اثر من آثار الفكر ، أو أنها وهم لا وجود له إلا في الفكر .
النقطة الثالثة : لا تقف المادة عند حدود ضيقة من الخصائص والظواهر ، بل أن لها ظواهر غير متناهية إذا ما تابعها البحث بالتدقيق والتفريغ .. إذن فمهما قدم لنا العلم من اكتشافات جديدة عن المادة وذراتها وجسيماتها وما يعتلج في داخل هذه الجسيمات ، فلن يكون ذلك برهاناً على عدم وجود المادة أو على أن الوهم يكتنف أسباب العلم بها ، إذ أن جزيئاتها مهما دقت وذابت في متاهات الحركة والتفاعل ، فإنها تظل محافظة على خصائصها ألا وهي استقلالها في الوجود عن الذات .
فأما النقطة الأولى : فهي دعوى مجردة لا تستند إلى أي برهان علمي .
إنني استطيع أن اطرح أي دعوة مخالفة للعقل والعلم ، بهذه الطرقة من التجاهل للحجة والبرهان ، ولكن من البديهي أنني لا استطيع أن ألزم أحداً من العقلاء بها .
ما الذي قدمه أئمة الديالكتيك المادي ، من البراهين العلمية ، على أن الروح والفكر والإحساس ، كل ذلك ثمار أنتجتها المادة ؟
إن أدق ما قدمته الماركسية من برهان على هذه الدعوة ، إلى الآن ، هو أن الحياة تنشأ عن الحرارة ، والحرارة بدورها تنشأ عن الحركة ، أي فالحركة + الحرارة = حياة .. !
ونحن نلجأ إلى السبيل ذاته الذي تهدينا إليه الماركسية ، لضبط سلامة مع معارفنا ، إلا وهو سبيل : التطبيق ، فالمعرفة العقلية ، إنما تتم في مجرى التطبيق مجرى النشاط العملي ، نلجأ إلى سبيل التطبيق ومجرى النشاط العملي ، لنتبين هل أن الحركة + الحرارة = الحياة حقاً ؟
من الذي جمع هاتين الظاهرتين إلى بعضهما ( بجهد من تطبيقه الخاص ) ، بهذه البساطة ، أو بما شاء من التعقيد لكيميائي ، فاستخرج منها حقيقة الحياة ؟
لا بد أن نعيد هنا إلى الذاكرة خبر المؤتمر الذي عقده ستة من أئمة علماء الحياة في كل من الشرق والغرب ، حول مائدة مستديرة في نيويورك عام 1959م، أملاً في الوصول إلى فهم عن أصل الحياة ، ونشأتها على ظهر الأرض ، ا والى معرفة مدى إمكان إيجاد الحياة عن طريق التفاعل الكيميائي ، وكان فيهم العالم الروسي ( الكسندر ايفانوفيتش اوبارين ) أستاذ الكيمياء الحيوية في أكاديمية العلوم السوفييتية .
لقد قرر المؤتمرون ، في نهاية بحوثهم ، بالإجماع ، إن أمر الحياة لا يزال مجهولاً ، ولا مطمع في أن يصل إليه العلم يوماً ما ، وأن هذا السر ابعد من أن يكون مجرد بناء مواد عضوية معينة وظواهر طبيعية وكيميائية خاصة .
فأين هو دليل ما يسميه الماركسيون بالتطبيق والنشاط العملي ، على صدق هذا التصور الذي يقضي بكل بساطة بان الحركة + الحرارة = الحياة ؟
نحن لا نشك في أن كل من الحركة والحرارة ، من ابرز خصائص الحياة ، ولكن من المفروغ منه ، في قواعد المنطق ، أن خواص شيء ما ليست تعبيراً عن الجوهر الذاتي الذي يقوم به ، فالماء مثلاً في حالة الغليان يتصف بكل من الحركة والحرارة ، ولكن من الواضح أن جوهر الماء شيء آخر غير الحركة والحرارة ، وهكذا فنحن نقر بأن الحياة لا تنشأ إلا حيث يتوافر كل من الحركة والحرارة ، غير إنهما خصيصتان من خصائص الدالة عليها ، أما جوهر الحياة ذاتها فشيء آخر نبهت إلى وجودها كل من هاتين الخصيصتين .
الحركة والحرارة وكل ما يسعد من العناصر الأساسية للحياة ، كالإيدروجين والكربون والازوت والأوكسجين ، والفسفور ، والكبريت – هذه كلها لا يمكن أن يعبر عنها بأنها منشأ الحياة ، أو أن الحياة تتكون من مجوعها أو تآلفها بشكل معين ، وإنما التعبير الصحيح أن الحياة – التي لا ندري جوهرها – تتخذ من هذه العناصر مظهراً لها ، كالضياء الساطع على صفحة جدار ، لا يمكن أن يكون الضياء هو صفحة الجدار ذاتها ، ولكنها مظهر له أو شرط لتجليه .
ثم إننا نقول : لو صح أن المادة هي ينبوع الروح وما يتفرع عنها ، لقضى العقل ، بحكم البديهة ، أن يكون الإنسان اسبق إلى فهم الروح وعناصرها وأسرارها ، منه إلى فهم المادة وذراتها وجزئيات تلك الذرات وكهاربها ، ذلك لان العقل إذا أدرك أصل الشيء وحقيقته ، فهو أحرى أن يدرك ثمراته وفروعه ، يجهد اقل وطريقة اقصر ، ولا ريب أن أحداً من العقلاء لا يستطيع أن يتصور أن رجلاً من الناس أتيح له أن يفهم ذات الشجرة في جذورها وطبيعتها وتحليل كل أجزائها ودخائلها ، حتى إذا رأي الثمر في أعلاها ، استغلق عليه سبيل المعرفة به فلم يفهم منه ظاهراً ولا باطناً ، وبقي – وهو فرع للشجرة التي أدرك دخائلها – سراً غامضاً لم يهتد منه إلى شيء .. !
هل من العقلاء من يصدق هذه الفرضية العجبية ؟
هناك 5 تعليقات:
موضوع حلو
طبعا من اسس الاشتراكية
حقراه باذن الله
ـــــــــــــــــــ
مدونات فى الميزان
حملة جميلة
http://shayunbiqalbi.blogspot.com/2010/10/blog-post_12.html
أهلا بك أ/ فارس عبدالفتاح
أشكرك على كريم الزيارة و تلبية الدعوة.
الفكرة إنك تقوم بتقييم مدونتك في توينة فقط.
الموضوع بسيط لكن يهدف لكي ينظر كل مدون مع نفسه ماذا قدم و ماذا ينقصه.
مع تحياتي
الاخ الكريم / شمس العصاري
على فكرة نسيت اقول لك حاجة مهمة هي :
ان الاشتراكية الناصرية تختلف اختلاف كامل عن الاشتراكية الماركسية تماماً من اساس فلسفتها وبالحتمية نتائجها .
وكثيراً من الشباب من يخلط بين الاثنين .. كما يحدث الخلط بين القومية العربية والبعث العربي .
وهذا ناتج ونابع من القاعدة المعرفية الغير سلمية والغير صحيحة لاصول الافكار والايديولوجيات والنظريات .
فهناك اختلاف جوهري بين الفلسفة الاشتراكية الماركسية والاشتراكية العربية وكذلك القومية العربية والبعث العربي .
فاذا كنت تعلم هذا ، فهو المطلوب اثباته ، وان كنت لا تعرف فابحث عن الاجابة بصدق والحزم .
لم أفهم المغزى من تعليقك عندي
ياريت أستاذ فارس توضح عاوز تقول ايه
ممممممممم
موضوع رائع
و بحث النقطة الاولى عقلانى جدا
بس للأسف أنا ماقرأتش ال3 أجزاء اللى فاتوا
هأحاول أقرأهم
دمت بود
إرسال تعليق